ما هو الاحتراق الوظيفي؟

أولًا يجب أن نؤكد أن هذا المصطلح جديد نسبيًا، ولا يعلم عنه الكثيرون، والأمر مربك للغاية خاصة أن هناك الكثيرين ممن يعانون من " الاحتراق الوظيفي"، ولكن قد يكمن السبب في كونه مربك إلى اختلاف المسميات، نعم يعاني منه الكثيرون ولكن يعبرون عنه بطرقهم المختلفة التي قد تكون بعيدة عن المصطلح ولكن على الرغم من ذلك قريبة من كل معانيه.

هناك من يقول أنه يعاني من الاكتئاب، ومن يقول أنه فقد شغفه، وهناك من يقول أنه يحتاج إلى فترة لينفصل بها عن العمل، وآخر قد يعاني من رغبة ملحة في الاستقالة وشعور بالاختناق والملل، كل هذه المعاني المختلفة تدور في فلك الاحتراق الوظيفي.

يمكننا الآن أن نعرّف الاحتراق الوظيفي على أنه حالة من الإرهاق العاطفي والجسدي والعقلي، وغالبًا ما يصل الشخص إلى هذه الحالة نتيجة لتعرضه لإجهاد مفرط ولوقت طويل، وقد يحدث الاحتراق الوظيفي أيضًا في حالة الشعور بالإرهاق، أو الاستنزاف العاطفي، أو العجز عن تلبية كافة المطالب التي عليه الوفاء بها، وهو ما يدفعه إلى الشعور بالتوتر طوال الوقت، حينها يفقد الاهتمام، يفقد الدافع، هذا الدافع هو المحرك الأساسي لأي نشاط نقوم به، حتى الوظيفة التي نذهب إليها كل يوم هناك دوافع تحفزنا على الاستمرار بها.

تتجلى مشكلة الاحتراق الوظيفي في أنه يستنزف الطاقة بالكامل، فيشعر المصاب به بأنه غير قادر على الإنتاجية، يتزايد لديه الشعور بالعجز واليأس، وقد يتحول إلى كائن لاذع كل ما يفعله هو السخرية والاستياء فقط.

"الاحتراق الوظيفي يكبلك، يفقدك قدرتك على فعل الأشياء، يقنعك أنك لا تمتلك المزيد لكي تقدمه"

تمتد الآثار السلبية للاحتراق الوظيفي على مختلف مناحي الحياة، فلا يتوقف عند حدود العمل، بل يقتحم منزلك وعلاقاتك الأسرية وحياتك الاجتماعية، وهو ما يزيد لديك المشاعر السلبية والتي قد تؤثر بطريقة مضرة على جسدك، فيتأثر جهازك المناعي فتصبح أكثر عرضة للعديد من الأمراض مثل نزلات البرد والإنفلونزا.

الاحتراق الوظيفي ليس رفاهية، ولكن مشكلة حقيقية لها الكثير من العواقب على الصحة النفسية، ويجب التعامل معه على الفور. [1]

وبناء على إحدى الدراسات فإن العالم يتكبد خسائر تُقدر بأكثر م ٣٠٠ مليار سنويا بسبب الاحتراق الوظيفي.

وتقول الدراسة بأن التدخل لمعالجة الاحتراق الوظيفي أمر ضروري جدا لزيادة إنتاجية المنظمات.

وفي هذه الدراسة خضع المشاركون إلى تجربة التمارين لمدة أربعة أسابيع، وكانت النتيجة تحسن في الحالة الصحية والنفسية، وشعور بالإنجاز الشخصي. سواء من خلال تمارين الكارديو أو المقاومة.[2]

أعراض الاحتراق الوظيفي

الاحتراق الوظيفي ليس اضطرابًا نفسيًا يمكن تشخيصه، ولكنه بالتأكيد يؤثر على الصحة النفسية للأشخاص وبالتالي يجب أن يؤخذ على محمل الجد، وألا نتهاون أبدًا معه. وأهم أعراض الاحتراق الوظيفي هي :

1. الشعور بالاغتراب عن مكان العمل

غالبًا ما يعاني أصحاب الاحتراق الوظيفي من النظرة السلبية لوظائفهم، الشعور بأن هذه الوظيفة مرهقة ومحبطة، ويتزايد هذا الشعور بشكل يومي مما يجعلهم يشككون بشأن العمل والزملاء، وقد يصل الأمر بهم إلى فصل أنفسهم تمامًا عن المحيطين بهم والشعور باللامبالاة تجاه العمل.

2. الأعراض الجسدية

الاحتراق الوظيفي يؤدي إلى العديد من الأعراض الجسدية المزعجة مثل الصداع المستمر، آلام ومشكلات المعدة، وضعف مناعة الجسم.

3. الإرهاق العاطفي

نعم يؤثر الاحتراق الوظيفي على المشاعر، فيعاني المصاب به من صعوبة شديدة في التأقلم والافتقار إلى الطاقة لإنجاز أي شيء، فهو بالفعل يشعر بالتعب.

4. انخفاض الأداء

فالاحتراق الوظيفي يؤثر بشكل أساسي على المهام اليومية التي يقوم بها الشخص في العمل أو في المنزل، والتي قد تتضمن الرعاية بالأسرة أو فردًا ما فيها، فينمو بداخله مشاعر كراهية لتلك المهام، ويصعب عليه التركيز أثناء القيام بها، وهو ما يجعله يفتقر إلى القدرات الإبداعية بشكل واضح.

هناك عدد من الأعراض المشتركة التي تتواجد في كلًا من الاحتراق الوظيفي والاكتئاب، فمصابي الاكتئاب أيضًا يعانون من المشاعر والأفكار السلبية، ولكن الفرق هنا أن مريض الاكتئاب يعاني من هذه المشاعر في كل شئ في حياته وليس العمل فقط، وكذلك يعاني من العديد من المشكلات والأفكار السلبية التي قد تصل إلى الانتحار.

لا تقلق لا تتسبب الوظائف عالية الضغط دائمًا إلى الوصول إلى مرحلة الاحتراق الوظيفي، خاصة إن تم التعامل مع التوتر بشكل جيد، ولكن هناك بعض الأفراد يكونون أكثر عرضة من غيرهم لهذا الخطر.

كيف تقي نفسك من خطر الاحتراق الوظيفي؟

حسنًا إن كنت تشعر أنك تعاني من عرض أو أكثر من أعراض الاحتراق الوظيفي يجب أن تتوقف، وأن تفكر قليلًا كيف يمكنك حماية نفسك من هذا الخطر. الأمر بسيط، لا يحتاج منك إلا القيام ببعض التغييرات الصغيرة والتي سنتناولها معك فيما يلي:

أولًا: من المفيد أن تجد طريقة تتقرب بها من قسم الموارد البشرية من أجل حل مشكلات مكان العمل، أو التحدث مع المدير المباشر حول القضايا التي يمكن بها تحسين بيئة العمل، والاستثمار فيها من أجل تحويلها إلى بيئة إيجابية وبالتالي الحصول على إنتاجية أفضل من العاملين.

ثانيًا: يجب أن تتعلم أن تطور استراتيجيات واضحة لكي تساعدك في التحكم في التوتر، وأن تعتني بنفسك جيدًا، مثل أن تتبع نمط حياة أكثر صحية بنظام غذائي صحي، وأن تمارس التمارين الرياضية، وأن تحصل على عدد ساعات كافي من النوم لتقلل من إرهاق العمل.

ثالثًا: يمكنك الحصول على عطلة مؤقتة من أجل الراحة، فقضاء أسبوع واحد بعيدًا عن مكان العمل سيساعدك لتتغلب على الإرهاق، وكذلك سيجدد من طاقتك ويعيد شحنك من جديد للعودة إلى العمل.

رابعًا: هناك بعض الحالات التي تستدعي أن يقوم الشخص بالاستقالة، وتغيير الوظيفة إلى وظيفة أخرى أفضل من أجل صحته النفسية والجسدية والعقلية. [3]

في الختام لابد أن نعي أن الاحتراق الوظيفي يساهم في تسرب الموظفين ومغادرتهم المنظمة، وهذا يشكل عبئ على المنظمات ويزيد تكاليف التوظيف ويقلل كفاءة الإنتاجية. وفي إحدى الدراسات التي أجريت على الممرضين والممرضات في السعودية من جنسيات متعددة، قال المشاركون بأن هنالك علاقة طردية بين أعراض الاحتراق الوظيفي والرغبة في ترك العمل ومغادرة الشركة. 

وجدت الدراسة أن معدل دوران الموظفين يزيد بزيادة ضغوط العمل وارتفاع أعراض الاحتراق الوظيفي، وهذا أمر قد يكون كارثيا على المؤسسات الطبية والنظام الصحي في المملكة العربية السعودية. [4]

هل استفدت من هذا المحتوى؟
شارك الموضوع